وكذلك جمع كلمة
المهاجرين والأنصار على ما يدل به كل منهما بميزة لا تتوافر لسواه فالمهاجرون لهم
مزية القرب من الرسول والسبق إلى الإيمان ، والأنصار لهم ميزة المال والقوة وإنقاذ
الرسول وقومه من ظلم مشركى مكة وإيواؤهم ومشاركتهم لهم فى أموالهم ، فكل هذا من
عوامل التحاسد والتنازع لو لا فضل الله وعنايته ، ومن ثم قال : (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) إذ هداهم إلى الإيمان الذي دعوتهم إليه فتآلفت قلوبهم.
وقد دلت
التجارب على أن التآلف من أقوى وسائل التعاون وأنجعها ، وأجدى وسائل التحاب
والتآلف قوة الإيمان ، ومن ثم قال ابن عباس رضى الله عنهما : إن الرحم لتقطع ، وإن
النعمة لتكفر ، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شىء ، ثم قرأ : «لَوْ أَنْفَقْتَ ما
فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» الآية (إِنَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ) أي إنه تعالى الغالب على أمره الذي لا يغلبه خداع
الخادعين ولا كيد الماكرين ، الحكيم فى أفعاله ، فينصر الحق على الباطل ، ويفضّل
الجنوح للسلم إذا جنح إليها العدو على الحرب.